أسرار قرآنية : { الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ }
قال الله تعالى { الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ } المؤمنون : 2
وقال تعالى :
{ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ } المؤمنون :9
جاءت هاتين الآيتين ضمن سلسلة من آيات تصف المؤمنين بصفات منها اهتمامهم بالصلاة.
قدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11)
نجد أن القرآن عبر عن الصلاة مرة بصيغة المفرد { صلاتهم } ومرة بصيغة الجمع { صلواتهم }، فهل يوجد فرق بين هذين التعبيرين؟
الجواب :
في قوله تعالى : { الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ } المؤمنون : 2
إشارة إلى جنس الصلاة، أي أنهم خاشعون في الصلاة. المراد بالصلاة الجنس، ولذا كان التعبير أكثر دلالة على المعنى من مفردة صلواتهم، أي أنهم خاشعون في كل صلواتهم.
هم خاشعون في الصلاة أيّ صلاة . وهؤلاء المؤمنون يقبلون على الصلاة حب وشوق بكل حب وهم يقدرونها حق قدرها ويعرفون قيمتها، فهم يؤدونها و الخوف من الله يملؤ قلوبهم،. إنهم يقفون خاشعين لله في جنس الصلاة جميعها ويقيمونها على أكمل وجه، يقفون متذللين في ركوعهم وسجودهم.
في قوله تعالى :
( وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9)
جيء بالصلوات بصيغة الجمع إشارة إلى محافظة هؤلاء المؤمنين على أعداد الصلوات كلها ،وأدائها في أوقاتها، فهم لا يؤخرون الصلاة عن أوقاتها.
جاءت هذه الآية لتشير إلى محافظة هؤلاء المؤمنين على جميع الصلوات، فههم لا يدعون صلاة تفوتهم، بل هم حريصون على اغتنام حضور الصلاة للاتصال بالله تعالى، كي يرتموا على أعتاب الله تعالى، أيا كانت تلك الصلاة، فالجمع يفيد امهم ومحافظتهم على أعداد الصلوات وأدائها في أوقاتها دون تأخير.
في تفسير القمي :
" و الذين هم على صلواتهم يحافظون" قال: على أوقاتها و حدودها.
و في الكافي، بإسناده عن الفضيل بن يسار قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: "و الذين هم على صلواتهم يحافظون" قال هي الفريضة قلت: "و الذين هم على صلاتهم دائمون" قال: هي النافلة.
وقال الشيخ الطوسي في التبيان :
"(والذين هم على صلواتهم يحافظون) أي لا يضيعونها. ويواظبون على أدائها. وفى تفسير أهل البيت إن معناه: الذين يحافظون على مواقيت الصلوات فيؤدونها في أوقاتها، ولا يؤخرونها حتى يخرج الوقت. وبه قال مسروق وجماعة من المفسرين. وانما أعيد ذكر الصلاة - ههنا - لانه أمر - ههنا - بالمحافظة عليها، كما امر بالخشوع فيها، في ما تقدم." انتهى.
وفي تفسير الأمثل :
"
وممّا يلفت النظر أنّ أوّل صفة للمؤمنين كانت الخشوع في الصلاة، وآخرها المحافظة عليها، بدأت بالصلاة وإنتهت به. لماذا؟ لأنّ الصلاة أهمّ رابطة بين الخالق والمخلوق، وأغنى مدرسة للتربية الإنسانية.
الصلاة وسيلة ليقظة الإنسان وخير وقاية من الذنوب.
والخلاصة، إنّ الصلاة إن اُقيمت على وفق آدابها اللازمة، أصبحت أرضية أمينة لأعمال الخير جميعًا.
وجدير بالذكر إلى أنّ الآيتين الأُولى والأخيرة تضمنّت كلّ واحدة منها وضوعًا يختلف عن الآخر، فالآية الأُولى تضمنّت الصلاة بصورة مفردة، والأخيرة بصورة جماعية. الأُولى تضمنّت الخشوع والتوجّه الباطني إلى الله. هذا الخشوع الذي يعتبر جوهر الصلاة، لأنّ له تأثيرًا في جميع أعضاء جسم الإنسان، والآية الأخيرة أشارت إلى آداب وشروط صحّة الصلاة من حيث الزمان والمكان والعدد، فأوضحت للمؤمنين الحقيقيين ضرورة مراعاة هذه الآداب والشروط في صلاتهم. "
وباختصار ، قراءة الجمع صلواتهم - أفادت اهتمامهم بأداء الصلاة في أوقاتها ، وقراءة الإفراد - صلاتهم - أفادت حبهم للصلاة نفسها الصلاة، و الآيتين تفيد أنهم يهتمون بالصلاة كما ونوعا.
فائدة :
تضافرت الروايات عن النبي صلى الله عليه وآله وعن أهل بيته على الاهتمام بالصلاة والمحافظة عليها والخشوع فيها، ونجد أن القرآن الكريم قد جعل ذلك من أسباب الفلاح والفوز، ولذا ينبغي للإنسان أن يهتم بصلاته ويفرغ نفسه من المشاغل الدنيوية أثناء تأديتها، وأن يحافظ على أدائها في أوقات فضيلتها.
لقد اعتبر القرآن الكريم الخشوع في الصلاة من سمات الإيمان ومن أسباب الفلاح والفوز، وجعلها أولى صفات المؤمنين الفائزين.
إن الخشوع في الصلاة يجعل الإنسان يتصاغر نفسه أمام عظمة الله، ويرى نفسه لا شيء أمام عظمة الخالق.
ورد في الحديث عن الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) حين شاهد رجلا يلهو بلحيته وهو يصلّي قوله: " أمّا لو خشع قلبه لخشعت جوارحه".
لذا على المرء أن يراجع نفسه في تعامله مع الصلاة، كي يظفر بالفلاح الذي أعده الله تعالى للمحافظين على الصلاة الخاشعين فيها.